من أرضٍ تغطت بالتعب، وارتوت بدموع الصبر، خرج شاب يحمل في قلبه آمالًا عريضة، لا ليحلم وحده، بل ليحمل عن شعبه ما أثقل كاهله من رهق، وليواجه ثالوثًا ظل جاثمًا على صدورهم: الفقر، الجهل، والمرض.
انضم إلى مؤتمر البجا وهو فتى فتِيّ، لم يكن يبحث عن منصب أو مجد، بل عن معنى، عن قضية يؤمن بها، وعن وطن يستحق أن يُناضل من أجله، انخرط في صفوف الحزب جنديًا مخلصًا، متجردًا من كل شيء إلا الإيمان، فكان حضوره في كل محطة نضالية بمثابة نبض حيّ للقضية.
واليوم، بعد سنوات من البذل، يقف إبراهيم مختار كأحد الكوادر المؤهلة التي يضع عليها الحزب آماله، ليس فقط كعضو في اللجنة المركزية، بل كرئيس لحزب مؤتمر البجا بولاية نهر النيل ، ورئيس للجنة الإعلامية لاحتفال تأسيس الحزب.
كتب إبراهيم مقاله، لا بحبرٍ عادي، بل بحبر الإرادة وقلم الشجاعة،كلماته ليست مجرد حروف، بل صدى لصوت الأرض، ونداءً للضمير، ومرآةً لوجوه البسطاء الذين ما زالوا ينتظرون من يحمل عنهم الحلم ويعيد إليهم الأمل.
في كل سطر كتبه، كانت هناك قصة، وفي كل فكرة طرحها، كانت هناك تضحية، لم يكن يكتب عن نفسه، بل عن شعبٍ يستحق أن يُروى تاريخه بصدق، وأن تُكتب معاناته بكرامة، وأن يُرسم مستقبله بيد أبنائه.
إبراهيم مختار، ليس مجرد اسم في قائمة قيادات مؤتمر البجا، بل هو حكاية نضال حيّة ، تمشي على الأرض، وتكتب للتاريخ أن أبناء الشرق لا ينسحبون، بل يواصلون الطريق مهما اشتدت العواصف.
لنقرأ ما كتب:
سبعة وستون عامًا من البذل السياسي والكفاح، من أجل أن نكون أو لا نكون، سبعة وستون عامًا عاشها أبناء شرق السودان بمختلف لغاتهم وإثنياتهم تحت مظلة الفقر والجهل والمرض، في ظل استقطاب بلغ أشده، ومراهنات على الولاء الأعمى، متناسين قضايا الشعوب العادلة.
ورغم الوعي المبكر لقيادات حزب مؤتمر البجا بمشاكل الشرق وأزماته، كان بإمكان النخب الحاكمة والدولة المركزية العودة إلى رشدها والانتباه المبكر لحل المشكلة الأساسية وإزالة الظلم،فشرق السودان لا يمكن أن تُحل قضاياه بمعزل عن بقية الأقاليم، ومن هنا جاءت المطالبة بحكم فدرالي حقيقي، يمنح السلطات صلاحيات تتناسب مع تعدد الشعب السوداني وتنوعه.
لكن، لم نجد آذانًا صاغية تستمع لقضايا شعبٍ عادل، فاختار حزب مؤتمر البجا طريق الكفاح المسلح في عام 1994، حاملًا معه مطالبه المشروعة، خاض سلسلة من المعارك على طول الحدود السودانية الإرترية، مركزًا على نقاط استراتيجية أرهقت النخب، وحافظت على مجتمعه وشعبه، وحقق عبرها انتصارات عسكرية كبيرة، سيطر من خلالها على مناطق سُميت لاحقًا بـ”المناطق المحررة”.
وجاء الاعتراف الرسمي، وتم توقيع اتفاق سلام شرق السودان في عام 2006 بالعاصمة الإرترية أسمرا، ليكون محطة فارقة في مسيرة الحزب.
واليوم، نعلن أن الاحتفال بذكرى تأسيس مؤتمر البجا الـ67 هو تأكيد على أقدميته، ووعي وتماسك قيادته، وتجديد العهد بالنضال من أجل تحقيق آمال وتطلعات شعبه بشكل عادل ومنصف، والمشاركة المتكافئة من أجل وطن يسع الجميع، تُبنى فيه المواطنة على أساس الحقوق والواجبات، لا على الولاءات الضيقة.