صديق رمضان يكتب :خُطبة الجمعة في مسجد حلة “غمّض” بالسواقي الجنوبية بكسلا.. الشيخ كمال عثمان عجيب..تذكرة ودموع
لا أعرف هل الحي يُسمي “غمّض” أم “غمّد”، وفي كل الأحوال يستحق إسم آخر أكثر جمالا استناداً علي جغرافية المكان وروعة الإنسان، هُنا في حِلة “غمّض” تبدو كسلا مختلفة، كُل شئ يدعو للانشراح، الطبيعة بجاذبيتها وسحرها الآخاذ، هدوء الناس وبساطتهم،وصدقا إن الإنسان إبن بيئته.
علي غير العادة خرجت يوم الجمعة متكاسلا تلبية لدعوة الزميل ورفيق الدرب “سيف الدين آدم هارون” لرحلة في إحدى السواقي الجنوبية، بعد ان وصلت حمدت الله كثيرا، فقد حضرت لجبر خاطر صديقي، ولكن وجدت ان الطبيعة قد جبرت بخاطري، كما أن اصدقاءه وهم طيف من مهن ومناطق مختلفة وبتعاملهم وبشاشتهم ازالوا رهق نفس ظلّ يعتمل في الدواخل.
عند موعد صلاة الجمعة توجّهنا صوب مسجد “حلة غمّض”، وهناك ولأول مرة منذ حضوري الي كسلا أجد لهذه الشعيرة مذاق وطعم مختلفين، بانصات استمعت الي الخُطبة، باحساسي كنت اتابع الخطيب الذي وضع رسائل علي بريد الجميع.
رسائل لنستفق، لنصحو، لنراجع المسير، لتغيير نظرتنا للحياة، لتقليب أوراق تعاملنا مع الآخرين، حثّنا باسلوب سلس الي مكارم الأخلاق التي بُعث نبينا الكريم لإكمالها لأنها أصل دين سمح يحضّ علي المعاني النبيلة والأفعال السامية التي تتسق مع الإنسانية.
تحدث عن الحسد والبغضاء والكراهية، وليته لم يصمت ولم تنتهي خُطبته العميقة، شخّص واقعنا بكلمات بسيطة، وضع يده علي الجرح بأدب وصوت خفيض كأنه همس، كأنما أراد التسلل بهدوء الي دواخلنا حتي نصحو وننقي صدورنا التي رانت عليها الذنوب وأمراض النفس.
حديث الإمام جاء نابعا من دواخل انا علي ثقة _ والله أعلم _ أنها نقية لاتحمل إلا الخير والحب للناس، فقد توقف مرتين وهو يتحدث، فقد زرف الدمع، في دلالة علي عدم رضاء من واقعنا حيث بات الحقد والحسد من متلازمات تعاملنا.
ومثلما لامس شغاف قلوبنا بكلماته المؤثرة في الخُطبة فقد حلّق بنا بعيداً وهو يتلو القرآن بصوت عذب وجميل، وتمنيت إلا يتوقف عن القراءة.
لا أعرف لماذا فقدت السيطرة علي نفسي في دعاء القنوت وتسللت دموعي وهو يدعو لأهل الفاشر، دعاء بمثابة حُب واخاء ووطنية من هنا حيث كسلا الي أهل مدينة أعشقها كثيراً وكنت احرص سنويا علي زيارتها، تذكرت شوارعها وناسها واسواقها،مدينة لها ارث وشخصية لذا صمدت وستصمد الي أن تنتصر.
شكرا الشيخ الجليل”كمال عثمان عجيب”، الذي سألت عنه بعد إنتهاء الصلاة شخص من أهل الحي فتحدث عنه بارتياح كبير، وأشار الي ان الشيخ شخصية تحظي باحترام الصغير والكبير في الحي، وأنه نذر نفسه لتحفيظ الصغار القرآن، واعجبني جدا قوله ان الشيخ يهتم بتدريب الأطفال كرة القدم وفقاً للاخلاق القويمة.
فالشيخ كمال لاعب كرة قدم سابق، لذا فإنه نقي الدواخل، وأعرف جيدا الوسط الرياضي الذي قضيت فيه أكثر من 20 عاماً، الناس فيه لايحملون حقدا وحسدا وكراهية، بل بتنافسون وتجمع بينهم الضحكة والابتسامة والإخاء الصادق، بعيداً عن الأمراض التي تفشت في المجتمع.
مرة أخرى شكراً شيخ “كمال عجيب” لأنك اهديتنا لحظات من التجلي والتدبر والتأمل، لقد انتزعتنا انتزاعا من ركضنا مثل الوحوش في دروب الحياة القاسية، واعدتنا الي دين جميل وسمح، يدعو لنقاء وسمو الروح، دين وضع مبادئ الإنسانية قبل أن يعرفها الغرب، دين يجعل من قلب الإنسان يفض رحمة.
*خارج النص*
تظل جمعة في الذاكرة، وليت ائمة المساجد يجعلوا من خُطبة الجمعة مناسبة للتذكير والتنبيه من الغفلة التي نحن عليها.