بالأمس شهدت الساحة السياسية السودانية تطوراً مهماً تمثل في إعلان مجموعة من مستشاري مليشيا الدعم السريع انشقاقهم عنها وانضمامهم إلى الحكومة الشرعية عبر مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان
يأتي هذا الأنضمام لستة من قيادات الدعم السريع المؤثرة بعد إنشقاقهم عن مليشيا الدعم السريع في ظل صراع محتدم بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، في ولايتي دارفور وكردفان
مما يضفي على هذا الحدث أهمية خاصة وتداعيات محتملة على مسار الأزمة الراهنة.
أعلنت الحكومة السودانية ترحيبها بمجموعة من أعضاء المجلس الاستشاري لمليشيا الدعم السريع في بورتسودان بعد انشقاقها الكامل والنهائي عن المليشيا.على لسان وزير الإعلام خالد الأيسر.
وقد أوضح المنشقون أن قرارهم جاء بعد أن تبين لهم بالدليل القاطع أن المليشيا قد تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية، وتحولت إلى أداة لتدمير السودان وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وانتهاك كرامة مواطنيه. وأكدوا أن هذه اللحظة هي لحظة ضمير ومسؤولية، وأنهم اختاروا هذا الطريق الجديد بإرادتهم الكاملة، إيماناً منهم بأن الوطن أكبر من الأشخاص، وأسمى من المصالح الضيقة، وأبقى من أي مليشيا. كما أعلنوا انحيازهم الكامل لتوحيد الصف في مواجهة ما وصفوه بالخطر المهدد لوحدة البلاد، وتعهدوا بمخاطبة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي لوقف الدعم غير المباشر للمليشيا المتمردة وفضح محاولات شرعنتها.
إن ترحيب الحكومة السودانية بالمنشقين عن مليشيا الدعم السريع يحمل في طياته مجموعة من الإيجابيات وبعض التحديات التي يجب تحليلها بعناية.
يُعد انضمام مستشارين سابقين من الدعم السريع إلى الحكومة الشرعية في بورتسودان خطوة مهمة لتعزيز شرعية الحكومة وإظهار تماسك الجبهة الوطنية في مواجهة المليشيات. وهذا يعطي انطباعاً بأن الحكومة قادرة على استقطاب عناصر من الطرف الآخر، مما يقوي موقفها داخلياً ودولياً وإضعاف الدعم السريع.
تساهم هذه الانشقاقات بشكل مباشر في إضعاف مليشيا الدعم السريع على عدة مستويات. فهي تؤثر على معنويات مقاتليها وقياداتها، وتثير الشكوك حول تماسكها الداخلي، مما قد يدفع المزيد من الأفراد إلى الانشقاق ويقلل من قدرتها على مواصلة الصراع.
الحصول على معلومات استخباراتية قيمة فمن المرجح أن يمتلك المنشقون معلومات حساسة وقيمة حول هيكل مليشيا الدعم السريع و خططها العسكرية،و مواقع تمركزاتها وشبكات دعمها و هذه المعلومات يمكن أن تكون حاسمة للحكومة في تخطيط عملياتها العسكرية والأمنية المستقبلية.
ترحيب الحكومة بالمنشقين يرسل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن هناك عناصر داخل الدعم السريع ترفض ممارساتها وتختار الانضمام إلى جانب الشرعية. وهذا قد يؤثر على الدعم الدولي للمليشيا ويغير من نظرة بعض الدول إليها.
يمكن أن يفتح هذا التطور الباب أمام حوارات أوسع ومصالحات مستقبلية مع عناصر أخرى من الدعم السريع أو المتعاطفين معها. إذا ما رأى هؤلاء أن هناك طريقاً آمناً ومقبولاً للعودة إلى الصف الوطني، فقد يشجعهم ذلك على التخلي عن المليشيا.
في ذات الوقت قد تثار شكوك حول الولاء الحقيقي للمنشقين، واحتمال أن يكونوا عملاء مزدوجين أو أنهم يحملون أجندات خفية تخدم مصالحهم الخاصة أو مصالح جهات أخرى و هذا يتطلب يقظة أمنية عالية من جانب الحكومة.
قد يرى بعض من الرأي العام، خاصة أسر الضحايا والمتضررين من ممارسات الدعم السريع، أن ترحيب الحكومة بالمنشقين هو نوع من المكافأة لمن كانوا جزءاً من مليشيا متهمة بانتهاكات جسيمةو هذا قد يثير استياءً شعبياً ويؤثر على مصداقية الحكومة.
أيضا قد يؤدي انضمام هؤلاء الأشخاص إلى تعقيد المشهد السياسي الداخلي، خاصة إذا كانت لديهم مطالب أو شروط معينة للانضمام، أو إذا حاولوا التأثير على القرارات السياسية بما يخدم مصالحهم.
كذلك من المتوقع أن تدفع هذه الانشقاقات مليشيا الدعم السريع إلى اتخاذ إجراءات انتقامية أو تصعيد العنف في محاولة لردع المزيد من الانشقاقات أو لتوجيه رسالة قوية للمنشقين ومن يفكر في الانضمام إليهم.
ربما يجد المنشقون صعوبة في الاندماج الكامل داخل هياكل الحكومة أو الجيش، وقد لا يتم الوثوق بهم بشكل كامل من قبل الأطراف الأخرى، مما قد يحد من فعاليتهم أو يؤدي إلى توترات داخلية.
يمثل انشقاق مستشاري الدعم السريع وانضمامهم للحكومة في بورتسودان تطوراً ذا أهمية بالغة في المشهد السوداني المعقد. فبينما يحمل هذا الانشقاق إيجابيات واضحة تتمثل في تعزيز شرعية الحكومة، وإضعاف المليشيا، والحصول على معلومات استخباراتية، وفتح آفاق للمصالحة، فإنه لا يخلو من التحديات المحتملة، مثل المخاوف الأمنية، وتأثيره على الرأي العام، وتعقيد المشهد السياسي. وهذا يتطلب التعامل مع هذا التطور بحكمة بالغة ويقظة مستمرة من جانب الحكومة لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه الخطوة وتقليل المخاطر المحتملة، بما يخدم في النهاية استقرار السودان ووحدته.