في العام 2016 استغرق معي تحقيق استقصائي عن الصناعة بالبلاد ثلاث أشهر، تجوّلت خلالها علي 16 ولاية، كان عمل صحفي مرهق، غير أنه في ذات الوقت كشف للقراء عند نشره في حلقات بصحيفة “الصيحة” عن أرقام صادمة عن نشاط اقتصادي في دولة لاتنقصها الموارد والكفاءة البشرية.
من المفارقات التي وقفت عليها التي توضح الاختلال في الخارطة الاستثمارية بالبلاد، أن الخرطوم كانت تحتضن ست ألف مصنع تعمل 70٪ منها بطاقة إنتاجها القصوي.
بالمقابل في 15 ولاية زرتها وجدت ان جُملة عدد المصانع يبلغ 1200 مصنع فقط، ونسبة المصانع التي تعمل كانت أقل من 35٪ من العدد الكامل، وفي مصانع منها باروما في كسلا ومصنع نسيج بالجزيرة ومصانع بنيالا وغيرها باتت أثر بعد عين لأنه تمّ بيع بعضها حديد خردة، وتحولت الأرض الي جرداء فقط كانت تنقصها لافتة توضح: “كان هُنا مصنع”.
وجود ست ألف مصنع بالخرطوم وألف ومائتين بالولايات كان تجسيد واضح لعُمق أزمة الصناعة والاستثمار في البلاد الذي ينحصر في العاصمة بعيداً عن مناطق الإنتاج بالولايات.
وحينما سألت الغُرف الصناعية بالولايات عن أسباب تراجع وتدهور الصناعة، اتفقوا علي ان الجبايات الحكومية من أبرز المعوقات التي تواجههم، واشاروا الي أنها في العاصمة تُعد أقل نسبياً.
وإذا اسقطنا نتائج ذلك التحقيق الاستقصائي علي الملتقي الاستثماري الثالث الذي احتضنته ولاية كسلا، ورغم المتغيرات التي غشيت رياحها الصناعة بالعاصمة واجبرتها علي الإنتقال للولايات، فإن الأزمة تظل ماثلة وهي التي تتمثل في الرسوم الولائية والضرائب الإتحادية.
وهي العقبة التي تحدث عنها أصحاب مصانع في كسلا حينما سجّلنا زيارة إليهم من قبل بالاضافة الي مشكلة الطاقة الممثلة في الكهرباء، حيث اعتبروا أنهما من أكبر المعوقات التي تهدد الإستثمار في الولاية.
وهنا السؤال الذي يفرض نفسه، هل تستطيع حكومة الولاية خفض رسومها علي الصناعة والتجارة لتشجيعهما، الإجابة تذهب في إتجاه النفي، فهي لاتستطيع فعل ذلك.
والسبب يعود الي أنها تعتمد بشكل مباشر علي الرسوم الولائية في تسييّر دولاب العمل وتقديم الخدمات،في ظل انحسار الدعم الاتحادي، فإن الولاية التي كانت حتي في عهد البترول تُصنف ضمن الولايات الفقيرة التي يتم دعمها مركزيا، لايمكنها أن إتخاذ قرار بخفض الرسوم.
وهنا فإن المواءمة تبدو صعبة بعض الشئ، لأن الولاية إن ارادت جذب الإستثمار وسط منافسة حادة مع الولايات الأخرى، فإنها أمام خيار خفض الرسوم والبحث عن بدائل لتعويض الفاقد،واذا فعلت ذلك ستجذب الكثير من رؤوس الأموال وتبقي علي الموجودة، وبعد فترة ليست طويلة سترتفع مواردها بالتوسعة التي تحدث في المواعين الايرادية.
ولكن في ذات الوقت فإنها وقياسا علي الظروف الراهنة لايمكنها فعل ذلك لانها تواجه الكثير من الإلتزامات التي تحتّم عليها الإعتماد بنسبة عالية علي الرسوم التي لاتجتمع وجذب الإستثمار.
عموما الملتقي كان فرصة جيدة لالقاء المزيد من الضوء علي فرص الإستثمار في ولاية تملك كافة مقوماته، وهو خطوة كان لابد من قطعها حتي تتبعها خطوات أخرى.
*خارج النص*
يعجبني جدا تطور جامعة الشرق ويحزنني جدا غياب جامعة كسلا عن الأحداث الكُبري بالولاية.
شكرا لكل من أشاد بتغطية مركز “آكلموي ميديا” بالإضافة الي موقع “الأمل الإخباري” للملتقي الاستثماري الثالث، ولعل إنتاج اكثر من 30 مقطع فيديو وأكثر من 25 خبرا وعدد من المقالات عن الملتقي أمر يدعو للارتياح والرضاء عن النفس، وهذا عين ما نقصده دوما ان نرضي نحن عن أنفسنا في المقام الأول… شكرا لكل من أشاد فمنكم يستمد اكلموي حضوره القوي.