في بداية هذا العام كُنت ضمن الوفد الإعلامي الذي رصد زيارة وزير الصحة الاتحادي الدكتور “هيثم محمد إبراهيم”، الي مدينة هكشموريب بولاية كسلا، ما لفت نظري يومها حديثه بشفافية وبلغة الأرقام عن الوضع الصحي بشرق السودان، كان واضحا حينما حدّد ماتستطيع وزارته تقديمه للمرافق الصحية بأرض القرآن، وما لا يمكنها إنجازه نتيجة لمبررات كشف عنها.
وبذات النهج.. ولأنه يدرك بأن التعامل مع صحة الإنسان لايحتمل المزايدات والضبابية، فقد مضي أمس في المؤتمر الصحفي ببورتسودان علي طريق الوضوح، وهو يكشف عن تفاصيل الوضع الصحي في البلاد دون مواربة،وتحدث أيضاً بلغة الأرقام والإحصاءات التي لاتكذّب ولا تتجمل.
وبالتأكيد فإن يضع الوزير يده علي الجرح النازف وتطهيره ثَم تضميده خيراً من أن يشرع في علاجه دون نظافته، وقد تعامل بهذه النظرية وهو يلقي الضوء علي إنتشار أمراض “الملاريا، حمي الضنك والكوليرا”، ويكشف عن أسباب تفشيها في عدد من الولايات، ويوضح الجهود التي تمّ بذلها في هذا الصدد.
وحتي الأعمال التي تم بذّلها لم ينسبها الي وزارته لادراكه ان الشُركاء كُثر، من وزارات وحكومات ولايات ومنظمات وجهد شعبي،كما أنه اختار تسليط الضوء علي الجهود التي بذلتها المبادرة الوطنية للصحة التي اسفرت عن احتواء الأوبئة من خلال المكافحة والكلورة وحملات التطعيم التي تمت بشكل موسع.
ورغم اشارته الي ماتمّ بذله فإن الوزير تعامل مع اقتصاديات مكافحة ثالوث “الملاريا، الضنك، الكوليرا”، بشفافية كاملة وهو يؤكد الحوجة الي المزيد من الإمكانيات المادية للمكافحة وللعلاج، رغم اقراره بأن وزارة المالية تحملت العبء الاكبر في مسألة توفير الأدوية وأنها ظلت الداعم لتوفير المبيدات والآليات الخاصة بعمليات الرش ومكافحة تواقل الأمراض.
وأوضح الوزير هيثم أن ما هو متاح حاليًا لا يتعدى 27 مليار جنيه، في حين أن الاحتياجات الكلية تُقدّر بـ100 مليون دولار، مؤكدا أن هذا المبلغ لا يغطي سوى ثلاثة أشهر من الإمداد الطبي العاجل.
وحديثه الأخير هذا يعني الحوجة للمزيد من الإمكانيات المالية للسيطرة علي الأمراض، ولأن ظرف البلاد حاليا استثنائي، يبرز هنا دور الوزارات والمؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال والمنظمات وغيرها لتوفير ماهو مطلوب، وهذا مانتوقعه اليوم من المبادرة الوطنية للصحة وهي تستنفر الجهود من أجل توفير المعينات المطلوبة للقضاء علي الأوبئة المنتشرة.
بصفة عامة فإن نهج الشفافية في التعامل مع الأوضاع الصحية الذي يتصف به الدكتور هيثم أقرب الي تشخيص المرض بدِقة ثم تحرير روشتة العلاج، وهو نهج بمثابة الترياق المضاد لعلاج المشاكل الصحية الحالية بالبلاد،والتي تحتاج لجهد مشترك بين الحكومة والمجتمع.